فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله عزّ وجلّ: {والعصر}
قال ابن عباس: هو الدّهر قيل أقسم الله به لما فيها من العبر، والعجائب للنّاظر وقد ورد في الحديث: «لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر» وذلك لأنهم كانوا يضيفون النّوائب والنّوازل إلى الدهر، فأقسم به تنبيهًا على شرفه وأن الله هو المؤثر فيه فما حصل فيه من النّوائب والنّوازل كان بقضاء الله وقدره، وقيل تقديره ورب العصر، وقيل أراد بالعصر الليل والنّهار لأنهما يقال لهما العصران، فنبه على شرف الليل والنهار لأنهما خزانتان لأعمال العباد، وقيل أراد بالعصر آخر طرفي النهار أقسم بالعشى كما أقسم بالضّحى، وقيل أراد صلاة العصر أقسم بها لشرفها ولأنها الصّلاة الوسطى في قول بدليل قوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} لما قيل هي صلاة العصر والذي في مصحف عائشة وحفصة والصّلاة الوسطى صلاة العصر وفي الصحيحين: «شغلونا عن الصّلاة الوسطى صلاة العصر» وقال صلى الله عليه وسلم: «من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله»، وقيل أراد بالعصر زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقسم بزمانه كما أقسم بمكانه في قوله: {لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد} نبه بذلك على أنه زمانه أفضل الأزمان وأشرفها، وجواب القسم قوله تعالى: {إن الإنسان لفي خسر} أي لفي خسران ونقصان قيل أراد بالإنسان جنس الإنسان بدليل قولهم كثر الدرهم في أيدي الناس أي الدرهم وذلك لأن الإنسان لا ينفك عن خسران، لأن الخسران هو تضييع عمره وذلك لأن كل ساعة تمر من عمر الإنسان إما أن تكون تلك السّاعة في طاعة أو معصية، فإن كانت في معصية فهو الخسران المبين الظاهر وإن كانت في طاعة، فلعل غيرها أفضل وهو قادر على الإتيان بها فكان فعل غير الأفضل تضييعًا وخسرانًا، فبان بذلك أنه لا ينفك أحد من خسران، وقيل إن سعادة الإنسان في طلب الآخرة وحبها والإعراض عن الدّنيا ثم إن الأسباب الداعية إلى حب الآخرة خفية، والأسباب الدّاعية إلى حب الدّنيا ظاهرة، فلهذا السبب كان أكثر الناس مشتغلين بحب الدّنيا مستغرقين في طلبها، فكانوا في خسار وبوار قد أهلكوا أنفسهم بتضييع أعمارهم، وقيل أراد بالإنسان الكافر بدليل أنه استثنى المؤمنين فقال تعالى: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصّالحات} يعني فإنهم ليسوا في خسر، والمعنى أن كل ما مر من عمر الإنسان في طاعة الله تعالى فهو في صلاح وخير وما كان بضده فهو في خسر وفساد وهلاك.
{وتواصوا} أي أوصى بعض المؤمنين بعضًا {بالحق} يعني بالقرآن والعمل بما فيه، وقيل بالإيمان والتّوحيد {وتواصوا بالصبر} أي على أداء الفرائض وإقامة أمر الله وحدوده، وقيل أراد أن الإنسان إذا عمر في الدّنيا وهرم لفي نقص وتراجع إلا الذين آمنوا، وعملوا الصّالحات فإنهم تكتب أجورهم ومحاسن أعمالهم التي كانوا يعملونها في شبابهم وصحتهم وهي مثل قوله: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصّالحات فلهم أجر غير ممنون} والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ.

.قال النسفي:

سورة العصر مختلف فيها وهي ثلاث آيات.
بسم الله الرحمن الرحيم
{والعصر}
أقسم بصلاة العصر لفضلها بدليل قوله تعالى: {والصلاوة الوسطى} [البقرة: 238] صلاة العصر في مصحف حفصة، ولأن التكليف في أدائها أشق لتهافت الناس في تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار واشتغالهم بمعايشهم، أو أقسم بالعشي كما أقسم بالضحى لما فيها من دلائل القدرة، أو أقسم بالزمان لما في مروره من أصناف العجائب، وجواب القسم {إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} أي جنس الإنسان لفي خسران من تجاراتهم {إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} فإنهم اشتروا الآخرة بالدنيا فربحوا وسعدوا {وَتَوَاصَوْاْ بالحق} بالأمر الثابت الذي لا يسوغ إنكاره وهو الخير كله من توحيد الله وطاعته واتباع كتبه ورسله {وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} عن المعاصي وعلى الطاعات وعلى ما يبلو به الله عباده، {وَتَوَاصَوْاْ} في الموضعين فعل ماضٍ معطوف على ماض قبله والله أعلم. اهـ.

.قال ابن جزي:

سورة العصر:
{والعصر} فيه ثلاثة أقوال:
الأول أنه صلاة العصر أقسم الله بها لفضلها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله».
الثاني أنه العشيّ أقسم به كما أقسم بالضحى، ويؤيد هذا قول أبيّ بن كعب: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العصر فقال: أقسم ربك بآخر النهار. الثالث أنه الزمان {إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} الإنسان جنس، ولذلك استثنى منه الذين آمنوا فهو استثناء متصل {وَتَوَاصَوْاْ بالحق} أي وصى بعضهم بعضًا بالحق وبالصبر، فالحق هو الإسلام وما يتضمنه، وفيه إشارة إلى كذب الكفار، وفي الصبر إشارة إلى صبر المؤمنين على إذاية الكفار لهم بمكة. اهـ.

.قال البيضاوي:

سورة العصر:
بسم الله الرحمن الرحيم
{والعصر}
أقسم سبحانه بصلاة العصر لفضلها، أو بعصر النبوة أو بالدهر لاشتماله على الأعاجيب والتعريض بنفي ما يضاف إليه من الخسران.
{إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} إن الناس لفي خسران في مساعيهم وصرف أعمارهم في مطالبهم، والتعريف للجنس والتنكير للتعظيم.
{إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} فإنهم اشتروا الآخرة بالدنيا ففازوا بالحياة الأبدية والسعادة السرمدية.
{وَتَوَاصَوْاْ بالحق} الثابت الذي لا يصح إنكاره من اعتقاد أو عمل.
{وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} عن المعاصي أو على الحق، أو ما يبلو الله به عباده. وهذا من عطف الخاص على العام للمبالغة إلا أن يخص العمل بما يكون مقصورًا على كماله، ولعله سبحانه وتعالى إنما ذكر سبب الربح دون الخسران اكتفاء ببيان المقصود، وإشعارًا بأن ما عد إما عد يؤدي إلى خسر ونقص حظ، أو تكرمًا فإن الإبهام في جانب الخسر كرم.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة والعصر غفر الله له وكان ممن تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر». اهـ.

.قال أبو حيان:

سورة العصر:
{والعصر}
قال ابن عباس: هو الدهر، يقال فيه عصر وعصر وعصر؛ أقسم به تعالى لما في مروره من أصناف العجائب.
وقال قتادة: العصر: العشي، أقسم به كما أقسم بالضحى لما فيهما من دلائل القدرة.
وقيل: العصر: اليوم والليلة، ومنه قول حميد بن ثور:
ولن يلبث العصران يوم وليلة ** إذا طلبا أن يدركا ما تيمما

وقيل: العصر بكرة، والعصر عشية، وهما الأبردان، فعلى هذا والقول قبله يكون القسم بواحد منهما غير معين.
وقال مقاتل: العصر: الصلاة الوسطى، أقسم بها.
وبهذا القول بدأ الزمخشري قال: لفضلها بدليل قوله تعالى: {والصلاة الوسطى} صلاة العصر، في مصحف حفصة، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله»، لأن التنكيف في أدائها أشق لتهافت الناس في تجاراتهم وتحاسبهم آخر النهار واشتغالهم بمعايشهم، انتهى.
وقرأ سلام: والعصر بكسر الصاد، والصبر بكسر الباء.
قال ابن عطية: وهذا لا يجوز إلا في الوقف على نقل الحركة.
وروي عن أبي عمرو: بالصبر بكسر الباء إشمامًا، وهذا أيضًا لا يكون إلا في الوقف، انتهى.
وفي الكامل للهزلي: والعصر، والصبر، والفجر، والوتر، بكسر ما قبل الساكن في هذه كلها هارون وابن موسى عن أبي عمرو؛ والباقون: بالإسكان كالجماعة، انتهى.
وقال ابن خالويه: {وتواصوا بالصبر}، بنقل الحركة عن أبي عمرو.
وقال صاحب اللوامح عيسى: البصرة بالصبر، بنقل حركة الهاء إلى الياء لئلا يحتاج أن يأتي ببعض الحركة في الوقف، ولا إلى أن يسكن فيجمع بين ساكنين، وذلك لغة شائعة، وليست شاذة بل مستفيضة، وذلك دلالة على الإعراب، وانفصال عن التقاء الساكنين، ومادته حق الموقوف عليه من السكون، انتهى.
وقد أنشدنا في الدلالة على هذا في شرح التسهيل عدّة أبيات، كقول الراجز:
أنا جرير كنيتي أبو عمر ** أضرب بالسيف وسعد في العصر

يريد: أبو عمر.
والعصر والإنسان اسم جنس يعم، ولذلك صح الاستثناء منه، والخسر: الخسران، كالكفر والكفران، وأي خسران أعظم ممن خسر الدنيا والآخرة؟ وقرأ ابن هرمز وزيد بن علي وهارون عن أبي بكر عن عاصم: خسر بضم السين، والجمهور بالسكون.
ومن باع آخرته بدنياه فهو في غاية الخسران، بخلاف المؤمن، فإنه اشترى الآخرة بالدنيا، فربح وسعد.
{وتواصوا بالحق}: أي بالأمر الثابت من الذين عملوا به وتواصوا به، {وتواصوا بالصبر} في طاعة الله تعالى، وعن المعاصي. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري:

{وَالْعَصْرِ (1)}
والأكثرون على أن اللام للجنس، ثم إن كان المراد بالخسر أي الخسران كالكفر والكفران هو الهلاك كان المراد جنس الإنسان على الإطلاق، وإن كان المعنى بالخسر الضلال والكفر كان المراد جنس الكافر هكذا قال بعضهم، ولقائل أن يمنع لفرق، ولا يخفى ما في {إن} ولام التأكيد وكلمة {في} وتنكير خسر من المبالغات فكأنه أثبت له جهات الخسر كلها والأعظم حرمانه عن جناب ربه.
قال بعضهم: إن الإنسان لا ينفك من خسر لأن عمره رأس ماله، فإفناء العمر فيما يمكن أن يكون خيرًا منه عبارة عن الخسران. ووجهه أنه إن أفنى عمره في المعصية فخسره وحسرته ظاهران، وإن كان مشغولًا بالمباحات فكذلك لأنه يمكنه أن يعمل فيه عملًا يبقى أثره ولذته دائمًا، وإن كان مشغولًا بالطاعات فلا طاعة إلا ويمكن الإتيان بها على وجه أحسن لأن مراتب الخضوع والعبادة غير متناهية كما أن جلال الله وجماله ليس لهما نهاية. والتحقيق فيه أن الإنسان لا يكلف إلا ما هو وسعه وطوقه لا بالنسبة إلى نوعه بل بالنسبة إلى شخصه، فإذا اجتنب المعاصي بقدر الإمكان واستعمل المباح بمقدار الضرورة والحاجة وأتى بالطاعة على حسب إمكانه لم يسم خاسرًا ولكنه يكون أكمل الأشخاص البشرية فلهذا استثناه الله تعالى بقوله: {إلا الذين آمنوا} إلى آخره.
وعن بعضهم أنه قال في {التين} {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين} [التين: 4] فابتدأ من الكمال النقصان وقال هاهنا {لفي خسر إلا الذين آمنوا} فعكس القضية لأن ذلك مذكور في أحوال البدن وهذا مذكور في أحوال النفس.
قلت: يمكن أن يقال: إن كلتا الآيتين في شأن النفس إلا أنه أراد في {التين} ذكراستعداده الفطري وهو كرأس المال، وههنا أراد حكاية معاملته بعدما أعطى رأس المال. ولا ريب أن أكثرهم منهمكون في طلب اللذات العاجلة المضيعة للاستعداد الأصلي إلا الموفقين الموصوفين بالكمال والإكمال، وفي إجمال الخسر وتسريحه إلى بقعة الإبهام، ثم في تفصيل الربح بأنه منوط بالإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق وبالصبر دليل على غاية الستر والكرم وأن رحمته سبقت غضبه، وفي لفظ التواصي دون الدعاء أو النصيحة تأكيد بليغ كأنه أمر مهتم به كالوصية، وفيه أنهم من الذين ماتوا بالإرادة عن الشهوات الفانية فيكون أمرهم ونصيحتهم بمنزلة قول من أشرف على الوفاة، والحق خلاف الباطل، ويشتمل جميع الخيرات وما يحق فعله. وقوله: {والصبر} يشتمل على جميع المناهي فهم بالحقيقة أمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، وفي لفظ المضي إشارة إلى تحقيق وقوعه منهم والله أعلم وبالله التوفيق. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

سورة العصر:
مكية وروي عن ابن عباس وعبادة أنها مدنية.
وهي ثلاث آيات.
وأربع عشرة كلمة.
وثمانية وستون حرفًا.
{بسم الله} الذي كل شيء هالك إلا وجهه {الرحمن} الذي عمّ الوجود بإنعامه فليس شيء شبهه {الرحيم} الذي أعز أولياءه فكانوا للدّهر غرّة ولأهله جبهه.
وقوله تعالى: {والعصر} قسم، واختلف في المراد به. فقال ابن عباس: والدهر أقسم به لأنّ فيه عبرة للناظر بتصرّف الأحوال وتبدلها وما فيها من الدلالة على الصانع، وقيل: معناه ورب العصر ومرّ الكلام في أمثاله وقال ابن كيسان أراد بالعصر الليل والنهار، يقال لهما العصران وقال الحسن: بعد زوال الشمس إلى غروبها وقال قتادة: آخر ساعة من ساعات النهار وقال مقاتل: أقسم بصلاة العصر وهي الصلاة الوسطى، وهذا أشبه قال صلى الله عليه وسلم: «من فاتته الصلاة الوسطى فكأنما وتر أهله وماله»، ولأنّ التكليف في أدائها أشق لتهافت الناس في تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار واشتغالهم بعشائهم.
ونقل ابن عادل عن مالك أنّ من حلف أن لا يكلم الرجل عصرًا لم يكلمه سنة.
قال ابن العربيّ: إنما حمل مالك يمين الحالف على السنة لأنه أكثر ما قيل: فيه. ونقل عن الشافعي يبرّ بساعة إلا أن تكون له نية. وجواب القسم.
{إن الإنسان} أي: الجنس {لفي خسر} أي: نقص بحسب مساعيهم في أهوائهم وصرف أعمارهم في إغراضهم لما لهم بالطبع من الميل إلى الحاضر، والإعراض عن الغائب، والإغترار بالفاني.
تنبيه:
تنكير خسر يحتمل التهويل والتحقير، فإن حمل على الأوّل وهو الظاهر كان المعنى: أنّ الإنسان لفي خسر عظيم لا يعلم كنهه إلا الله تعالى، لأنّ الذنب يعظم أمّا لعظم من في حقه الذنب، أو لأنه وقع في مقابلة النعم العظيمة، فلذلك كان الذنب في غاية العظم. وإن حمل على الثاني كان المعنى: إن خسران الإنسان دون خسران الشيطان.
ولما كان الحكم على الجنس حكمًا على الكلّ لأنهم ليس لهم من ذواتهم إلا ذلك، وكان فيهم من خلصه الله تعالى مما طبع عليه الإنسان وحفظه عن الميل استثناهم بقوله عز من قائل: {إلا الذين آمنوا} أي: أوجدوا الإيمان وهو التصديق بما علم بالضرورة مجيء النبيّ صلى الله عليه وسلم به من توحيده سبحانه، والتصديق بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
{وعملوا} أي: تصديقًا لما أقرّوا به من الإيمان {الصالحات} أي: هذا الجنس من إيقاع الأوأمر واجتناب النواهي، واشتروا الآخرة بالدنيا فلم يلههم التكاثر ففازوا بالحياة الأبدية والسعادة السرمدية، فلم يلحقهم شيء من الخسران.
وقال ابن عباس في رواية أبي صالح: المراد بالإنسان الكافر، وقال في رواية الضحاك: يريد به جماعة من المشركين الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد المطلب.
وقيل: لفي خسر غبن وقال الأخفش لفي هلكة وقال الفراء: لفي عقوبة.
وقال ابن زيد: لفي شرّ.
وروى ابن عوف عن إبراهيم قال: أراد أن الإنسان إذا عمر في الدنيا وأهرم لفي ضعف ونقص وتراجع إلا المؤمنين فإنه يكتب لهم أجورهم التي كانوا يعملونها في حال شبابهم، ونظيره قوله تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا} (التين)
ولما كان الإنسان بعد كماله في نفسه بالأعمال لا ينتفي عنه مطلق الخسر إلا بتكميل غيره، وحينئذ كان وارثًا لأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعثوا للتكميل.
قال تعالى مخصصًا لما دخل في الأعمال الصالحة منبهًا على عظمه: {وتواصوا} أي: أوصى بعضهم بعضًا بلسان الحال والمقال: {بالحق} أي: الأمر الثابت وهو كل ما حكم الشرع بصحته ولا يسوغ إنكاره، وهو الخير كله من توحيد الله تعالى وطاعته، واتباع كتبه ورسله، والزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة {وتواصوا} أيضًا {بالصبر} عن المعاصي وعلى الطاعات، وعلى ما يبتلي الله به عباده من الأمراض وغيرها.
ويروى عن أبيّ بن كعب أنه قال: قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم والعصر، ثم قلت: ما تفسيرها يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «{والعصر} قسم من الله أقسم ربكم بآخر النهار {إنّ الإنسان لفي خسر} أبو جهل {إلا الذين آمنوا} أبو بكر، {وعملوا الصالحات} عمر {وتواصوا بالحق} عثمان، {وتواصوا بالصبر} على». وهكذا خطب ابن عباس على المنبر موقوفًا عليه.
وقال قتادة: بالحق، أي: بالقرآن.
وقال السدّي: الحق هنا الله عز وجل. وقول البيضاوي تبعًا للزمخشري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة والعصر غفر الله له، وكان ممن تواصى بالحق وتواصى بالصبر». حديث موضوع. اهـ.